إن هذا السؤال يكاد يكون شاغلي الأول فدائمآ ما أسأل نفسي اين العرب الآن ، و اين مصر و دورها من ركب التطور الذي يسير بسرعة الصوت و نحن واقفون لا نسير ماذا كنا و كيف أصبحنا و كيف سنكون ؟ كلها اسئلة تشغلني ، و حتى أصل إلى الإجابة عن تلك الأسئلة كان لا بد لي أن أعرف ما هو الفارق بيننا و بين أوربا و أمريكا و ما هو الفارق بيننا و بين الصين و النمور الآسيوية و ما هو الفرق بيننا و بين روسيا و لماذا لا يقارن العرب أنفسهم إلا مع مع العرب أيضآ !!! أو مع دول أفريقية محتمل أنها تسبقنا في التأخر لا في التقدم ؟ و الواقع أن ما من شخص يبحث عن الحقيقة إلا و يجدها أو على الأقل يعرف جزء منها و قد يعرف أجزاء منها و قد يعرفها كلها المهم انه في النهاية سيعرف فما من شخص يبذل الجهد إلا و سيجد نتيجة عمله لأن العمل لابد أن يكون له مقابل . و هذا كان أول الخيوط بالنسبة إلي لأعرف لماذا تراجعنا .
لقد وجدت أن هناك أسباب كثيرة و سأذكرها لكم جميعآ و لكني سأذكر كل سبب مع مقال فالحديث عن السبب قد يحتاج إلى كتب و حديثه قد يطول فهي أسباب تراجع أمه !!!
السبب الأول . إهدار قيمة العمل .
إن الأمريكي أو الصيني أو الأوربي إذا ما أدى إلى شخص ميسور الحال من نفس جنسه عمل ما مثل أن ينقذه من لص كاد يؤدي بحياته و ينهب أمواله ، فإنه يقول له لقد أصبحت مدينا لي فيرد عليه الآخر نعم أصبح لديك دين عندي ، النقطة الهامة في هذه القصة أن المدين لا بد من يوفي بدينه .
أما في مصر مثلا إذا ما أنقذ شخص ما شخص آخر ميسور الحال من لص كان سيعتدي عليه و ينهب أمواله ، ماذا سيكون رد فعل من تم إنقاذه ؟ أول ما سيقول للآخر " أنا متشكر جدآ " ثم يقول " سلاموا عليكم " و يغادر و كأن شئ لم يكن !!
و لنتابع القصة في حالة إذا ما ذهب المنقذ إلى من أنقذه في المثلين السابقين نجد ان الأمريكي أو الصيني أو الأوربي عندما يكون بحاجة إلى مساعدة يرى أن من أنقذه بمقدوره تلبيتها إليه ، يذهب إليه و يقول له لدي دين عندك فيجيبه الآخر نعم و أنا مستعد لقضاء ديني و يجيبه إلى طلبه .
أما المنقذ المصري إذا ما ذهب إلى من أنقذه ، فأول ما يقول له " يا باشا أنا فلان إللي عملتلك كذا يوم كذا ، فيرد عليه الآخر فاكر المهم عايز إيه دلوقت ، فيطلب منه طلبآ بمقدوره أن يؤديه و لكنه سيكلفه فيرد عليه طلبك ليس عندي فيرد المنقذ قائلآ أنا أنقذتك من الموت من قبل و أنقذت أموالك من النهب فيقول له و أنت كنت عملت إيه يعني ؟ أي حد مكانك كان هايعمل إللي إنت عملته ! ثم يلقي أمامه ببعض القروش القليلة و التي تنتهك من آدميته . و في النهاية يتركه و يمشي !!!
هذا هو أول فارق بيننا و بين الآخر فالآخر يقدر قيمة العمل جيدآ و يحفظ الجميل إلى أن يرد ، أما نحن فقد تعودنا على أن نهدر قيمة عمل الآخرين ، تعودنا على جملة " و هو يعني فلان كان عمل ايه ! " وجملة " يأخذ مائة ليه !!! أنا عندي اللي يعمله بعشرة !!! " و كأن من سيحصل على المال من شخص ما يستقطعه منا !! و الله إن أمرنا لعجيب فنحن طبقنا المثل القائل " لا بنرحم و لا بنخلي رحمة ربنا تنزل " هذا هو الواقع المؤلم و إليكم بعض تجاربي الشخصية ، فأنا محام قد تأتيني بعض القضايا و أطلب فيها مبلغ من المال أقدره أنا من وجهة نظري فأسمع من الموكل مثل هذا الكلام و يقول لي بس ده كتير فأقول له هذا أجري فيقول لي و انت يعني ها تعمل إيه ؟ الأستاذ فلان قالي كذا فما يكون مني إلا أن أقول له إذآ إذهب إليه ، و أنهي هذا النقاش العقيم الذي هو مضيعة للوقت و اذكر في إحدى المرات حدثني تاجر من الأثرياء أعرفه جيدآ لكنه مقيم بصعيد مصر وقال لي عندي طلب أرجوا أن تلبيه إلي فقلت له لا مانع عندي فوجدته يسألني عن قيمة مصاريف إحدى الدعاوى المدنية فقلت له لماذا أولآ هذا السؤال ؟ فقال لي لأن الدعوى خاصة بي و المحامي عندي طلب مني مبلغا و قدره عشرة آلآف فقلت له و ما قيمة العقار الخاص بالدعوى فقال لي نص المليون جنيه فقلت له مصاريف الدعوى و الأتعاب أقدرها لك بخمسون ألفآ ، فقال لي و لكن المحامي قال لي عشرة آلاف فقط فقلت له محاميك سيدفع من جيبه الخاص فلا تجعله يفعل ذلك و أدفع له ضعف ما طلبه منك على الأقل .
لا أعرف لماذا تصرفت مثل هذا التصرف مع هذا الرجل لقد ذكرت له أرقامآ مبالغآ فيها و لكني فعلت ذلك لسوء نيته هو فهو قد دفع خمسمائة الف جنيه و لا يريد أن يدفع جنيهآ لمحاميه و كأن محاميه يعمل بالسخرة و مع أني لا أعرف محاميه هذا إلا أنني أعلم أنه سيقوم بعمل و كان على هذا التاجر الثري أن يقدر هذا العمل من تلقاء نفسه ! لا أن يطلب ممن حوله أن يعملوا لأجله مجانآ !
تلك هي أول آفاتنا و بكل أسف لن نتخلص منها بسهولة فنحن بحاجة إلى إعادة صياغة أجيال قادمة تعرف قيمة العمل و تقدره و لا أدري لماذا نجبر أنفسنا و نجبر غيرنا على الكذب و التلاعب و الغش حتى نحصل على حقوقنا ففي نهاية الأمر لن يترك أي منا حقه قد يظلم بعضنا نعم ، و لكن أكثرنا سيلجأ إلى الكذب و الغش و التحايل حتى يحصل على حقوقه ، و لن نجني في النهاية إلا تحميل بعضنا البعض مزيدآ من الذنوب و الكارثة أن من يريدون أن يأخذوا دون أن يعطوا أكثرهم من الأغنياء و ليسوا فقراء ! ألا يعلمون أن الحياة أخذ و عطاء ألا يعلمون أن العامل يجب ن يحصل على حقه قبل أن يجف عرقه ! لماذا نستخف ببعضنا البعض ؟ لماذا لا نحي من لديه موهبة ما و نقدرها بالمال و ليس بالكلام ؟ و لماذا لا نحب أن ندفع ما علينا من ديون ؟ لماذا دمر د . أحمد زويل في مصر و لم يأخذ حقه ؟ لماذا دمر د . فاروق الباز في مصر أيضا ؟ لماذا أصابت د . مجدي يعقوب عقدة من مصر و غادرها ؟
لماذا هاجر كل هؤلاء إلى بلاد ليست بأوطانهم ؟ الإجابة هي لأنهم وجدوا هناك أناس يقدرون قيمة العلم و الموهبة و الجهد و العمل ، أما بلادهم لم تقدرهم حق قدرهم .
أعتذر إليكم إن كانت مقالتي قد ملئت بعلامات الإستفهام و علامات التعجب !!!
إنني أدعوا الجميع من المصريين و العرب إلى إعادة حساباتهم إلى سؤال أنفسهم هل كنا على صواب أم نحن على خطأ .
و إعلموا أمرآ " لن تكون لنا قيمة و نحن من يبخس القيم و لا يعطيها حقها "